وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، يبدو أنه لم يحسب عواقب رحلته الطارئة إلى بروكسل عاصمة الإتحاد الأوروبي، والتي كانت محاولة يائسة منه لخلط العلاقات الثنائية الجزائرية الإسبانية مع الجزائرية الأوروبية، فكانت حصيلته بضع تصريحات مقتضبة من مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وبعض مساعديه، حيث حاول التلويح للجزائر بأن تجميد علاقاتها التجارية مع إسبانيا قد يكون انتهاكا لقانون الاتحاد الأوروبي، محذّرا بأن الاتحاد سيقف ضد أية اجراءات قسرية تمارس على دولة عضو فيه؛ لترد البعثة الجزائرية لدى الإتحاد الأوروبي من فورها، ببيان تتأسف فيه على تسرع الاتحاد في إصدار موقفه من أزمة العلاقات الجزائرية الإسبانية دون التشاور مع الجزائر للاطلاع على حيثيات القرارات الأخيرة.
الجزائر ذكّرت مرة أخرى عبر بيان لرئاسة الجمهورية، على احترامها لعقد تزويد إسبانيا بالغاز الطبيعي، ما التزمت هذه الأخيرة بالشروط التعاقدية، وذلك في إشارة إلى تحذيرات جزائرية سابقة لإسبانيا من مغبّة إعادة تحويل الغاز الجزائري نحو المغرب عبر أنبوب المغرب العربي، الذي رفضت الجزائر تجديد العقد المتعلق به.
فضلا عن أن قرار العقوبات الجزائرية على إسبانيا، لن يضرّ بالاقتصاد الجزائري الذي سيستمر باستقبال عائدات تصدير الغاز الطبيعي الذي لن تشمله حزمة العقوبات، وبالمقابل ستتكبد إسبانيا خسائر قد تتجاوز الملياري يورو حسب ما يراه متابعون، جراء توقف صادراتها الفلاحية والصناعية إلى الجزائر.
الاتحاد لا يريد المغامرة بالعلاقات مع الجزائر..
في نفس الوقت كان رئيس بعثة الإتحاد الأوروبي بالجزائر، قد أدى زيارة إلى وزارة التجارة ليعبر عن رغبة الاتحاد في رفع المبادلات التجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وزيادة حجم الاستثمارات الأوروبية وفق قاعدة رابح-رابح، وهي إشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لا يريد أن يضحي بالعلاقات المتميزة مع الجزائر بسبب توتر علاقات هذه الأخيرة مع إسبانيا نتيجة قراراتها غير المحسوبة لحكومتها والمخالفة للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي نفسه ! في ظل المسؤولية التاريخية والسياسية والأخلاقية، والتي لا يمكن لإسبانيا أن تتملص منها فيما يخص قضية الصحراء الغربية.
يضاف إلى ذلك أن الاتحاد الأوروبي اطمأن على امدادات الغاز الطبيعي القادمة من الجزائر، بعد الزيارة التي أداها الرئيس عبد المجيد تبون إلى إيطاليا، والتي أكد خلالها على أن هذه الأخيرة ستكون بلد عبور الغاز الجزائري نحو أوروبا والموزع الرئيسي له في القارة العجوز، وهو الأمر الذي أثار غضب ومخاوف حكومة سانشيز التي سارعت إلى التواصل مع الحكومة الإيطالية لمعرفة مدى تأثير تعميق العلاقات الجزائرية الايطالية في مجال الطاقة، على إمدادات الغاز الجزائري نحو إسبانيا.
كما أن أزمة الغاز التي تعاني منها أوروبا جراء حرب روسيا على أوكرانيا، وما انجرّ عن ذلك من مساع أوروبية للتخلص من الغاز الروسي التي تعتمد عليه الدول الأوروبية بشكل كبير، كل ذلك يجعل الاتحاد الأوروبي لا يغامر بعلاقاته مع الجزائر، في ظل سعي كبرى الدول في الاتحاد على غرار ألمانيا، إلى توطيد علاقاتها مع الجزائر وتوقيع عقود طاقوية معها لتعويض جزء من الغاز الروسي.
الداخل السياسي الاسباني يعزز العقوبات الجزائرية..
الورطة التي أوقعت فيها الحكومة الاسبانية نفسها، لم تقتصر على العقوبات الجزائرية الأخيرة، بل عرفت تصاعدا في الداخل السياسي الإسباني، من خلال المعارضة البرلمانية الشرسة، التي لم تقنعها التبريرات الواهية المقدمة من طرف رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، عندما حاول استعمال ورقة “القرار السيادي” التي لا علاقة لها بقلب موقف تاريخي في السياسة الخارجية الإسبانية، دون تحقيق مصالح في حجم خطورة هذا الموقف، بقدر ما جلب متاعب لإسبانيا كانت في غنى عنها.
وكانت تصريحات العديد من الاحزاب الاسبانية من مختلف التيارات السياسية، بمثابة ضغط إضافي لحكومة سانشيز التي لم تنجح سياستها الخارجية، إلا في استعداء دولة كانت شريكا استراتيجيا لها حتى وقت قريب، لدرجة أن أحد رؤساء الأحزاب الإسبانية المعارضة، دعا سانشيز إلى الاعتراف بأن السبب الحقيقي الذي دفعه لقلب موقف إسبانيا من قضية الصحراء الغربية، هو ابتزاز نظام المخزن المغربي له، بعد فضيحة التجسس على هاتفه الشخصي عبر تقنية بيغاسوس.
وتضاف تصريحات زعماء أحزاب إسبانية إلى تصريح وزير الخارجية الإسباني الأسبق خوسيه مانويل مارغالو، الذي اعتبر بأن سانشيز اختار أسوأ توقيت سياسي للإعلان عن موقف غريب وغير مبرر على الإطلاق، ودون تحقيق أية مكاسب جراء هذا القرار الذي وصفه دبلوماسي إسباني آخر، بالمحرج لإسبانيا.
كما أن تصريحات المبعوث الجزائري المكلف بالمغرب العربي والصحراء الغربية عمار بلّاني حول أن علاقات الجزائر مع الحكومة الإسبانية الحالية قد دُمِّرت تماما، تؤكد بشكل قاطع على أن الجزائر لن تعيد تطبيع علاقاتها – لا سيما التجارية – مع إسبانيا في ظل الحكومة الحالية، كما أنها قد تكون رسالة لمن سيخلف هذه الحكومة بضرورة مراجعة قرار تخلي إسبانيا عن مسؤولياتها تجاه القضية الصحراوية.
زكرياء قفايفية
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.