الدولة أقرّت الإختيار بنمط كتابي ثلاثي الأحرف، لفترة محددة
التنوعات اللسانية الأمازيغية هي الجذور المغذية للّغة المعيارية
انشاء جريدة عمومية بالأمازيغية هو تكريس لأحكام الدستور
نشعر بنبل مهمتنا في مواجهة دعاة الفتنة في بلادنا
مكاسبٌ عديدة تحققت للأمازيغية خلال السنوات الأخيرة، بدءاً بجعلها لغةً رسميةً إلى جانب اللغة العربية في دستور 2016، وترسيم عيد رأس السنة الأمازيغية كعطلة وطنية مدفوعة الأجر، ليأتي دستور 2020 الذي جعل من المادة المتعلقة بالأمازيغية مادة صمّاء لا تقبل أي تعديل مستقبلاً، شأنها في ذلك شأن اللغة العربية والدين الإسلامي، مغلقاً بذلك الباب أمام دعاة الفتنة والمتاجرين بقضايا الهوية الوطنية. على أن الأمازيغية ما زالت تعرف عدة تحديات من بينها: توسيع تدريسها في مدارس بقية الولايات، وإزالة العقبات التي لا تزال تعترض طريقها كإبقائها مادة اختيارية للدراسة، إضافة إلى تعميمها تدريجيا في مختلف القطاعات؛ وهي تحدياتٌ تشير إلى عملٍ كبيرٍ ما زال ينتظر المحافظة السامية للأمازيغية، باعتبارها أعلى هيئة في الدولة تعنى بترقية الأمازيغية الوسيط المغاربي أجرت هذا الحوار المعمّق، مع الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية السيد: سي الهاشمي عصّاد، للوقوف على آخر انجازات المحافظة، والتحديات التي مازالت تواجه عملها في ترقية الأمازيغية.
ما زال الجدل مستمرا حول الحرف الذي سيعتمد لكتابة اللغة الأمازيغية، رغم أن الحرف الأصلي لها “التيفيناغ” جاهز، بل وتم اعتماده في بعض دول المنطقة وأثبت أنه عملي وغير معقد كما يروج لذلك البعض؛ ما هو الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية، على اعتبار أنكم تمثلون أعلى هيئة رسمية تعنى بالأمازيغية، ولماذا تأخر الحسم في ذلك ؟
في البداية نشكر جريدة الوسيط المغاربي على هذه المقابلة الإعلامية، ثانيا لابد أن نعي جيدا كجزائريين أن تجربة بلادنا في تكريس الأمازيغية، بكل متغيراتها اللسانية المتداولة على المستوى الوطني، تجربة رائدة بكل المقاييس، محكومة بوقائع الميدان الدامغة، والدليل على ذلك مختلف المؤشرات والحقائق الماثلة للعيان، على غرار مخرجات التعديل الدستوري الأخير التي تدل بوضوح على المكانة القانونية للغة الأمازيغية بطابعها الوطني و الرسمي، ناهيك عن ورودها في الديباجة بصفتها مادة صماء غير قابلة للتعديل مستقبلا.
"الدولة أقرّت الإختيار بنمط كتابي ثلاثي الأحرف على غرار: التيفيناغ/ اللاتيني/ العربي، وبمختلف التنوعات اللسانية الأمازيغية في بلادنا، فنحن لا نؤمن بالإقصاء ونؤكد على التنوع في عملية الإبداع"
كما لابد أن ننوه بمكسب ترسيم إحتفالية “يناير” عيدا وطنيا ورسميا مدفوع الأجر، ليضاف إلى تلك الإنجازات المجسدة في منظومات: التربية، الإتصال والتعليم العالي، فضلاً عن إستحداث جائرة رئيس الجمهورية للأدب واللغة الأمازيغية منذ سنتين، ونحن بصدد إطلاق طبعتها الثالثة قريبا؛ كل هذه الخطوات تبرز المساعي الجادة للدولة في تكريس مسار إعادة الاعتبار للبعد الأمازيغي وترقيته: لغة وثقافة، وهي تصب في قلب المهام المؤسساتية المخولة للمحافظة السامية للأمازيغية، والتي إحتفلت خلال الأيام الماضية، بالذكرى السابعة و العشرين لنشأتها؛ إذن كل هذه المنجزات لا ينبغي الإستهانة بها أو التقليل من شأنها، و لا داعي للّجوء إلى أي مقارنات مع دول أخرى، فتجربة الجزائر ناضجة ونابعة من إختيارات عليا تخدم المصلحة الوطنية ومقومات الأمة الجزائرية لا غير، وهي تتسم بالتدرج في عملية تطوير اللغة كرصيد مشترك يعني كل الجزائريين، كما أن سمة هذه التجربة لا تقوم على الإرتجالية، ولا تخضع لأي تيار سياسوي أو إيديولوجي، بل هي مستندة إلى مقتضيات مرتبطة بالوقائع الميدانية، لذلك فهي لا تتسرع في الحسم في مختلف الإشكاليات المفتعلة التي توظف من حين لأخر، بما فيها مسألة الحرف مثلا؛ فالدولة أقرّت الإختيار بنمط كتابي ثلاثي الأحرف على غرار: التيفيناغ/ اللاتيني/ العربي، وبمختلف التنوعات اللسانية الأمازيغية في بلادنا، فنحن لا نؤمن بالإقصاء ونؤكد على التنوع في عملية الإبداع، لأننا أمام كنز لغوي يستوجب علينا جميعا صونه والحفاظ عليه من الزوال والإندثار.
لماذا نجد أغلب الأعمال العلمية والأدبية بالأمازيغية في الجزائر، تستعمل ثامعمريث المشتقة من الحرف اللاتيني ؟
لابد أن نُدرك أن الأمازيغية حاليا هي في وضعية الإنتقال من الشفهي إلي الكتابي، لمواجهة خطر إندثار بعض من متغيراتنا اللسانية، مثلما نلاحظ في الميدان، فصحيح أن الحرف اللاتيني يطغى على مختلف الإصدارات الأمازيغية في سوق النشر، إلا أن هذا لا يمنع أحدا أن يبادر في التأليف والتدوين بنمط كتابي أخر، ثم إن المبرر العلمي الذي نتعامل به، مبني على ركائز توصّل إليها أهل الاختصاص، على غرار عالم اللسانيات: فردينوند دو سوسور، الذي يقرّ بأن المنظومة الفونولوجية للّغة هي الأمّ، وما الحرف إلا وسيلة للتدوين، فالأمازيغية المعيارية أو “ثامعمريث” كما أشرتم إليها، تستند إلى قواعد نحوية مضبوطة، تتعامل بها في تسجيل الصوتيات وإبراز خصوصياتها الفونولوجية.
حسب وجهة نظرنا فإن عملية تنميط حرف الأمازيغية بثلاثة أبجديات سيستمر لفترة محددة، حيث تتنافس فيها هذه الأنماط بطريقة موضوعية، يُفسح فيها المجال للإبداع والإنتاج، إلى أن يتم الفصل مستقبلا بشكل نهائي في الحرف المعتمد، فنحن نرى أن ترقية اللغة الأمازيغية لابد أن تتم في إطار هادئ بعيدا عن أي تسرع أو إرتجال، مع السعي الحتمي لتهيئة الظروف الموضوعية، لتفعيل المجمع أو تأسيس هيئة متخصصة تتكفل بتهيئة اللغة، بما في ذلك تنميط الكتابة، كما ينبغي الإشارة هنا أيضا إلى عامل مهم وهو التقدم التكنولوجي، الذي يعتبر بمثابة مفتاح آخر سيمنح من دون شك عدة حلول آنية للتنقل السلس بين أنماط الأبجديات الثلاثة.
“تواجد الأمازيغية في المدرسة حقيقة لا غبار عليها، ولكن يبقى مسارها يواجه العديد من العراقيل والعقبات، كان من الممكن أن نتجاوزها منذ سنوات، إمتثالا للقوانين السارية المفعول”.
وعليه، لا يحق لنا أن نوجه أصابع الإتهام للذين بادروا بتدوين الأمازيغية بالحرف اللاتيني، بأنهم يتسترون وراء قناع إيديولوجي يخدم أجندة مشبوهة، فمولود معمري على سبيل المثال، تبنى هذا النمط لإعتبارات علمية محضة، فهل يعقل أن تتعرض مجهوداته في هذا المجال إلى التشكيك والإتهامات الجزافية، على الرغم من درجته العلمية و مساره النضالي في حرب التحرير من أجل إستقلال الجزائر ؟. الأمازيغية المعيارية تحكمها قواعد مضبوطة، والمجال مفتوح للتنافس في عملية الإنتاج الإبداعي والعلمي، لأن اللغة الأمازيغية ما تزال في طور التهيئة والتوليف الإجتماعي، وعلى كل أبناء الجزائر أن لا يفرطوا فيها، وأن يساهموا بمعية الإعلام والمدرسة والإنتاج الأدبي والفني، في ترقيتها و عملية تعميمها، بغض النظر عن نمط تدوينها.
نص التعديل الدستوري سنة ،2016 على انشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية، ما العلاقة بين الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية والمحافظة السامية للأمازيغية ؟
إن العلاقة بين المحافظة السامية للأمازيغية التي لها رصيد تجربة يمتد لأزيد من ربع قرن، والمجمع الجزائري للغة الأمازيغية الذي تأسس قبل أربعة سنوات، لا يمكن أن تكون إلا بصيغة تكاملية و تنسيق ضروري، من شأنه أن يعزز العمل التشاركي وفق صلاحيات واضحة لكل هيئة على حدى، فالأولى هي هيئة رئاسية، والثانية دستورية، وكلاهما معنيتان بملف تطوير الأمازيغية، والتخطيط لها في إطار السياسة العمومية للدولة، فهيئتنا لها دور محوري في تعزيز مكانة الأمازيغية في الفضاء المؤسساتي بإقتراح إستراتيجية لجميع الفاعلين، كما أنها معنية بتفعيل أحكام الدستور، والتدخل في كل وضعية تعرقل مسار تطور هذا المسعى، أما المجمّع فله مهمة التدقيق والتقنين الفعلي لكل ما يمتّ بصلة بتطوير الأمازيغية المعيارية، وفق مخرجات جامعة للخبراء الذين يشكلون التركيبة البشرية لذات الهيئة.
في انتظار الإنطلاقة الفعلية للمجمع الجزائري للغة الأمازيغية، فإن المحافظة السامية للأمازيغية تواصل عملها الدؤوب في التكفل بمختلف الإشكاليات العالقة، من خلال برمجة أنشطة ميدانية في مجالات متعددة و في كل ربوع الوطن، على غرار: التعلم-التعليم، الاتصال، المعرفة التاريخية، حماية التراث، ملتقيات علمية… و تأمل أن تجد المرافقة المنتظرة، والقيمة المضافة من ذات الهيئة، فضلاً عن مختلف الدوائر الوزارية والشركاء المهتمين بملف الأمازيغية.
لماذا نشهد تأخرا في تقعيد الأمازيغية المعيارية، لتعميمها على المدارس والمؤسسات التربوية التي يتم فيها تدريس الأمازيغية ؟
هذا السؤال يوجه إلى وزارة التربية الوطنية، والتي هي بالطبع شريك أساسي معني بتنفيذ سياسة الدولة في تكريس مكانة الأمازيغية في المدرسة الجزائرية، إلا أن ما يمكن أن نقوله بهذا الصدد، هو أننا قطعنا أشواطا كبيرة في هذا الشأن، وتواجد الأمازيغية في المدرسة حقيقة لا غبار عليها، ولكن يبقى مسارها يواجه العديد من العراقيل والعقبات، كان من الممكن أن نتجاوزها منذ سنوات، إمتثالا للقوانين السارية المفعول، فالمشكل الجوهري يكمن في الطابع القانوني لـمادة تامازيغت، فهي حسب القانون التوجيهي للمدرسة رقم 08-04 مؤرخ في 23 يناير 2008 إختيارية، مما جعلها عرضة للتأويلات والبيروقراطية المجحفة، وأحيانا تُستغل حسب أهواء الأشخاص، بالطبع كل هذا مرفوض و لا يتماشى و المنطق المؤسساتي، مقترحين بذلك مجموعة من التدابير، في إنتظار تبني فكرة تعديل بعض من أحكام ذات القانون.
“نحن نعتبر هذه المتغيرات كنزا حيّاً و ثراءً للموروث اللساني الأمازيغي، وعاملاً يخدم بناء مشروع لغة جامعة، تتسع لكل مجالات الحياة اليومية المعاصرة”.
بغض النظر عن هذه الوضعية، يبقى تدريس الأمازيغية في قطاع التربية في الأطوار التعليمية الثلاثة، في تطور ملحوظ وتصاعد كبير في تعداد المتمدرسين و الأساتذة، وكذا النطاق الجغرافي لتواجدها عبر التراب الوطني؛ فعلى سبيل المثال، كانت الأمازيغية في سنة 2014 محصورة في 11 ولاية فقط، لتشهد تصاعداً يفوق 22 ولاية في 2015/ 2016 وتنتقل إلى 32 ولاية في العام الدراسي 2016/2017 لتستقر حاليا في أكثر من 44 ولاية حسب معطيات ميدانية؛ أما تعداد أساتذة اللغة الأمازيغية، فقد شهد أيضا تزايدا واضحا منذ انطلق هذا التدريس سنة 1996/1995 حيث كان عدد الأساتذة لا يتجاوز 223 أستاذ، لينتقل في 2019-2021 إلى 3250 أستاذ موزعين على الأطوار الثلاث.
يرى البعض بأن الأمازيغية المعيارية ستقضي على المتغيرات الفرعية للأمازيغية مع الزمن، ما ردكم على ذلك ؟
الأمازيغية المعيارية هي مشروع أكاديمي في طور التشكل، ويستعين بمعيار ومنهجية علمية تضمن حماية هذا الوعاء الجامع الذي لا يمكن التفريط فيه؛ وحتى المصطلحات المستحدثة المتداولة، تسند إلى قاعدة معمول بها في كل اللغات، ناهيكم عن ذلك الاحتكاك والاستعانة بمفردات واردة من لغات أخرى بما فيها العربية؛ كل هذه المؤشرات تدل على حيوية وصحية اللغة الأمازيغية وإنفتاحها، فهل من المنطق أن تتمكن ذات اللغة المعيارية من إقصاء روافدها اللسانية الأربعة عشر؟.. نحن نعتبر هذه المتغيرات كنزا حيّاً و ثراءً للموروث اللساني الأمازيغي، وعاملاً يخدم بناء مشروع لغة جامعة، تتسع لكل مجالات الحياة اليومية المعاصرة.
في هذا السياق، لابد أن نوضح أن تطوير كل المتغيرات مبني أساساً على نفس القواعد النحوية-التركيبية التي هي العمود الفقري للغة، وأنظمة فونولوجيا متقاربة، ومساحة مفرداتية عريضة مشتركة، لذلك علينا التكفل بكل منها في حيزها الجغرافي الطبيعي، باعتبار هذه التنوعات اللسانية هي الجذور المغذية للّغة الجامعة – التي لا تزال في طور التهيئة – وأهم ما يساهم في تكوينها: الإعلام والمدرسة والإنتاج الأدبي والفني، وتاريخ تطور اللغات في العالم؛ كما يذكرنا بأن المتغيرات المحدودة الإستعمال أصلا، هي أم اللغة الجامعة المتطورة التي تشحن كل المعارف والعلوم.
هل الأمازيغية المعيارية، ستكون جزائرية صرفة، أم أنها ستمثل منطقة شمال أفريقيا ككل ؟
العمل الذي نقوم به يخص الشأن الوطني، و هو إجراء سيادي لا ينبغي إقحامه في تجارب بلدان مجاورة، فتجربة الجزائر رائدة، و هي مصدر إلهام للعديد من الأطراف المهتمة بهذا الملف، نظير الإنجازات السياسية والمؤسساتية التي تم تحقيقها في بلادنا، فضلا عن غزارة الإبداع والإنتاج العلمي في العديد من التخصصات المعرفية المتنوعة.
“مسعانا الأساسي في هذا المحور، هو توسيع دائرة تدريس الأمازيغية لدى فئة الكبار ومختلف الشرائح المجتمعية، عبر العديد من الولايات إستجابة لطلب وارد خاصة من غير الناطقين بالأمازيغية”.
لكن هذا لا يمنع أن نبقى على إطلاع على مختلف مستجدات اللغة الأمازيغية في محيطنا الإقليمي، بما يخدم الوحدة الوطنية والسلامة الترابية، وبالتالي التفطن لأي توظيف مغرض لهذا الموروث اللساني ضد المصلحة العليا للوطن؛ فضلا عن تعزيز وشائج وأواصر وحدتنا الوطنية، من خلال إبراز توجه هوياتي علمي، يفضي إلى الإفتخار بالإنتماء للأمة الجزائرية الضاربة في جذور التاريخ و الحضارة الإنسانية.
للتنويه، فإن عملنا أصبح محل إشادة وإعتراف من قبل العديد من الهيئات المتخصصة، كالأكاديمية الإفريقية للّغات منذ 2019 ومنظمة اليونسكو، بصفتنا نقطة إتصال في عملية التحقق من البيانات اللغوية الخاصة بملف التعريف ببلادنا في الطبعة الجديدة لأطلس اليونيسكو العالمي للغات.
فيما يخص تدريس الأمازيغية، قطعتم أشواطا هامة بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية بهذا الصدد، هل هناك مشاريع أو مبادرات لتدريس الأمازيغية خارج الإطار المدرسي الرسمي، باستعمال الوسائل الحديثة، كتطبيق في الهاتف، وعلى الموقع الرسمي للمحافظة السامية للأمازيغية، بأحدث التقنيات المعروفة في تدريس اللغات العالمية ؟
يجب التذكير أنه إلى جانب الإطار البيداغوجي الرسمي في تدريس الأمازيغية، والمنضوي تحت وصاية وزارة التربية الوطنية، فإن المحافظة السامية للأمازيغية عملت على فتح أليات أخرى لتوسيع تدريس اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية مدروسة، تبقى الغاية منها هي تمكين أكبر شريحة من الراغبين في الولوج إلى هذا التعليم، بالإضافة إلى مرافقتنا و دعمنا للعديد من المبادرات والمشاريع التي تقترح تعليم الأمازيغية عبر كل الوسائط والوسائل التكنولوجية الحديثة المتاحة، على غرار تطبيق الهاتف “أزول”، فضلا عن تلك الأعمال الرقمية المتوجة بجائزة رئيس الجمهورية للأدب و اللغة الأمازيغية.
ويبقى مسعانا الأساسي في هذا المحور، هو توسيع دائرة تدريس الأمازيغية لدى فئة الكبار ومختلف الشرائح المجتمعية، عبر العديد من الولايات إستجابة لطلب وارد خاصة من غير الناطقين بالأمازيغية. فحاليا فُتحت العديد من الفروع، بفضل الشراكة الناجحة مع الجمعية الجزائرية لمحو الأمية إقرأ، والديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم فئة الكبار.
حسب استطلاعنا من بعض أساتذة اللغة الأمازيغية، في الولايات التي يقل فيها عدد الناطقين بإحدى اللهجات الأمازيغية، فإن إحدى الصعوبات الرئيسية التي تواجههم في عملهم، هي عدم وجود بيئة مساعدة ولا مصادر خارجية للتوسع في تعلم اللغة خارج المدرسة، ليطبق فيها المتمدرسون ما تعلموه، برأيكم كيف يمكن تجاوز هذه الصعوبة ؟
إن الطريقة البيداغوجية في تدريس كل لغات العالم، تتوقف دوماً على كفاءة المُدرِّس و مدى قدرته على توفير المناخ الضروري لأداء مهمته التعليمية على أحسن وجه، لذا فإن عملية تدريس اللغة الأمازيغية لا تخرج عن هذا النطاق الذي يعتبر المقرر المدرسي للمادة، إلى جانب الكتب والوثائق الداعمة لهذا التدريس هي إحدى أولوياته، إضافة إلى الدورات التكوينية التي يستفيد منها أساتذة المادة، بفضل مرافقة المحافظة السامية للأمازيغية.
بفضل مجهودات الدولة، فان ترقية اللغة الأمازيغية وتعميمها التدريجي، أصبح مشروعا وطنيا يعني مختلف الشرائح من المجتمع، ففي المدرسة تبنى الوحدة الوطنية بمختلف مكوناتها الهوياتية، ولتحقيق هذا المسعى سنبقى مجندين لتمكين كل أبناء الجزائر من تعلم اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية.
خلال فيفري المنصرم، أطلقتم بمعيّة وزير الاتصال والمدير العام للإذاعة الجزائرية، منصة ثاغمسا الخاصة بالمصطلحات الصحفية باللغة الأمازيغية، ما هي حصيلة هذه المنصة إلى اليوم، وهل يمكن أن يستفيد منها الصحفيون من الإعلام الخاص ؟ وهل لديها موقع رسمي ؟
إن جدية وفعّالية مجالات التعاون و الشراكة بين الأطراف، يمكن قياسها من زاوية الأهداف المسطرة والنتائج المحققة، وتبعاً للآليات المُستحدثة لخدمة الغاية المنشودة من إتفاقيات الشراكة عموماً، و هو المسار ذاته الذي شهده التعاون المثمر الذي نجحت المحافظة السامية للأمازيغية والمديرية العامة للإذاعة الجزائرية في جني ثماره، بعد تجسيد مخرجات إتفاقية التعاون الموقعة بينهما بتاريخ 19 أفريل 2021 والتي من أهم دعائمها: الدورة التكوينية التي نظمتها هيئتنا لفائدة الصحفيين الممارسين باللغة الأمازيغية، عبر القنوات الإذاعية المحلية والوطنية، فقد خرجت إحدى توصيات هذه الدورة التكوينية بضرورة إنشاء منصة رقمية تحت إسم “ثغامسا” وجرى إطلاقها رسمياً يوم 15 فيفري من السنة الجارية، لتُعنى بتوفير فضاء تفاعلي بين مختلف هؤلاء الصحفيين .
“كانت مناشدة المحافظة السامية للأمازيغية، بإنشاء جريدة عمومية بالأمازيغية على نفقة الدولة، قد يكون المشروع بصيغة رقمية كمرحلة أولى، تكرس من خلالها أحكام الدستور الجزائري”.
وتتجلى الأهداف الكبرى لهذه المنصة الرقمية، في القضاء على مختلف الإشكالات الاصطلاحية الإعلامية، وتذليل بعض الصعوبات التي تعترض الصحفيين الممارسين، من خلال توظيف الخبرة المهنية في تعزيز عاملي الترجمة والإقتباس اللساني من مختلف المتغيرات اللغوية الأمازيغية الثرية والمتنوعة، بغية إيصال رسالة إعلامية موحدة وأكثر وضوحا وفهما للجمهور الجزائري، علماً أن كفاءة جامعية وإعلامية تم تكليفها بالعمل التنسيقي ضمن هذه المنصة الرقمية، والتي بإستطاعة المهتمين الولوج إلى موقعها الرسمي، إنطلاقاً من البوابة الإلكترونية لمؤسستنا.
في حين يمكننا التأكيد على أن الحصيلة الأولية من هذه العملية هي قيد الضبط، لتشكل لبنة أولى في إعداد قاموس خاص بالمصطلحات الإعلامية بالأمازيغية، سيكون عن قريب في متناول الصحفيين الممارسين باللغة الأمازيغية في مجالات: السمعي-البصري، الإلكتروني والمكتوب من القطاع العام والخاص.
لماذا لا نجد إلى اليوم جرائداً باللغة الأمازيغية، ولا حتى صفحات مخصصة للغة الأمازيغية في الجرائد المكتوبة، باستثناء جريدة الوسيط المغاربي وربما جريدة الشعب حسب علمنا ؟
إن عملية إدراج الأمازيغية في الحقل الإعلامي عموما، وضمن الصحافة المكتوبة تحديداً، إتسمت ببعض التباين في عدد المبادرات والتجارب التي كانت لبعض العناوين الصحفية العمومية منها و الخاصة، حيث شهد البعض منها تخصيص قليل من الصفحات بالأمازيغية، قد يتراوح عددها ما بين الصفحة إلى أربع صفحات أسبوعيا، و بشكل متقطع لم تتسم بالإستمرارية، بينما عرف ظهور عنوانين أو ثلاثة بالأمازيغية كليةً وبتمويل خاص، لم تعمّر طويلاً للأسف، نظراً لأسباب مختلفة عجّلت باختفائها عن الصدور.
من منطلق هذه الوضعية الهشة التي باتت تعيشها الصحافة المكتوبة بالأمازيغية، كانت مناشدة المحافظة السامية للأمازيغية، بإنشاء جريدة عمومية بالأمازيغية على نفقة الدولة، قد يكون المشروع بصيغة رقمية كمرحلة أولى، تكرس من خلالها أحكام الدستور الجزائري، الذي يُقرّ بضرورة ترقية الأمازيغية، بواسطة تسخير كافة الموارد والإمكانات المتطلبة لذلك.
زيادة على ذلك، فإن تنفيذ هذا المشروع، سيبرز إسهام اللغة الأمازيغية في تشكيل جدار صدٍّ ضد مختلف مسببات الفتنة والدعاية المغرضة، مع منحها منبرًا إعلامياً سيضمن بشكل جدي الدفاع عن الوحدة الوطنية والسلامة الترابية، من خلال إعلام مسؤول يساهم في تعزيز الجبهة الداخلية وصون صورة الجزائر ومختلف إنجازاتها.
كيف تساهم إتفاقيات الشراكة التي توقعها المحافظة السامية للأمازيغية، مع مختلف هيئات ومؤسسات الدولة في ترقية الأمازيغية ؟
إن المحافظة السامية للأمازيغية، تنطلق في تصوراتها من مبدأ عدم إحتكارها المطلق للأمازيغية، بل أبعد من ذلك، فهي تعتبر أن كل المؤسسات والمرافق العمومية منها والخاصة، إلى جانب القوى الحية داخل المجتمع الجزائري، مدعوة للمشاركة ولعب دورها المنوط بها، للإسهام في ترقية وإشعاع هذا الجانب المشرق والعريق من شخصيتنا وهويتنا الوطنية.
“فإننا في المحافظة السامية للأمازيغية، يتملكنا الشعور بنبل مهمتنا للوقوف في وجه هذه المؤامرات الدنيئة، التي قد تجد صداها الضئيل لدى بعض ضعاف النفوس ممن أعماهم جهلهم وغابت بصيرتهم جراء ما يجترّونه من سموم”.
بهذا الصدد، كان سعي هيئتنا الدائم من وراء توقيع العديد من إتفاقيات الشراكة مع مختلف مؤسسات الدولة، هو تعزيز وترقية مكانة الأمازيغية في قطاعات كثيرة على ضوء التعليم العالي والبحث العلمي، الاتصال، البريد و المواصلات السلكية واللاسلكية، السياحة والصناعات التقليدية، الثقافة والفنون، الداخلية والجماعات المحلية، و غيرها من القطاعات؛ إذ يبقى في نظرنا الفضاء المؤسساتي، هو السبيل الأمثل لتمكين الأمازيغية من التكيف، و القدرة على مسايرتها لكافة التطورات والتحولات، التي قد تفرض نفسها على كل اللغات العالميية.
هل لديكم مشاريع مستقبلية لرقمنة المنشورات الصادرة عن المحافظة، وإتاحتها للإطلاع ؟
تماشيا مع التطور العلمي والتكنولوجي الحديث، الذي شهدته الطباعة والمنشورات المدونة، والجانب الرقمي الذي أخذ حيزاً كبيرأً في نقل وحفظ ونشر الكتب والمطبوعات الهامة، إرتأت هيئتنا مسايرة هذا التطور بشروعها منذ ما يفوق العقد من الزمن، في رقمنة جل إصداراتها ومنشوراتها المختلفة ووضعها تحت تصرف المهتمين ومتناول القراء، على مستوى ركن المكتبة الإفتراضية بالموقع الرسمي للمحافظة السامية للأمازيغية؛ فإلى جانب الصيغة الورقية للعناوين والإصدارات التي تتوفر عليها مكتبتنا المتواجدة بمبنى مقر المؤسسة، فإنه بإمكان الزوار أيضاً تحميل معظم العناوين والإصدارات المتوفرة هناك، في انتظار إيجاد صيغة قانونية لنشر المطبوعات التي أنجزناها بصيغة النشر المشرك.
عرفنا في السنوات السابقة، حملات ممنهجة ومغرّضة ضد الأمازيغية، كانت ساحاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وألقت ببعض تأثيراتها في الواقع، ما سبب هذه الحملات حسب رأيكم، وكيف يمكن أن نغلق الباب في وجهها مستقبلاً ؟
إن الحقيقة التاريخية والواقع السوسيولوجي للجزائر، بالإضافة إلى الوازع الديني الذي يكُنُ له كل الجزائرين القدسية المطلقة، كانت وما زالت و ستبقى الأمازيغية إحدى دعائمه وعاملاً أساسيا في تشكيل شخصيته الوطنية التي يفتخر بها كل أبناء أمتنا العظيمة، والتي مهما وهنت قواها في فترة من الفترات، فإنها سرعان ما تستعيد مجدها، لتذكّر كل الماكرين والمتربصين بسؤددها وصلابة وحدتها.
بدايةً من هذا الشعور الراسخ والمتجذر في ذهن الشعب الجزائر ي، وبالنظر إلى كل تلك الحملات المروجة لخطابات الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، والتي تغذيها أطراف عدائية تسعى لبث الفتنة في بلادنا والتشكيك في مكتسباتنا، فإننا في المحافظة السامية للأمازيغية، يتملكنا الشعور بنبل مهمتنا للوقوف في وجه هذه المؤامرات الدنيئة، التي قد تجد صداها الضئيل لدى بعض ضعاف النفوس ممن أعماهم جهلهم وغابت بصيرتهم جراء ما يجترّونه من سموم.
لهذا، فالمحافظة السامية للأمازيغية، تعتبر أن نشاطاتها الدورية التي تتطرق إلى محور المعرفة التاريخية والمكانة الحضارية التي إكتسبتها الجزائر منذ الأزل، مع إبراز جماليات العمق الإجتماعي والإنساني لمختلف مناطق وطننا الكبير، في كنف التعايش المشترك والابتعاد عن الحقد والإقصاء والتهميش والتطرف واحتقار الذات، والمساس برموز الوحدة الوطنية، فمسؤوليتنا هي المبادرة لإيجاد الصيغ المناسبة لتحقيق المواطنة الفاعلة، فنحن جميعا منصهرون في بوتقة دينية واحدة، وننطلق من الآية القرآنية ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ *إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.