
حدد بنك الجزائر قواعد ممارسة العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة التشاركية من طرف المصارف والمؤسسات المالية وما يترتب عنها من تحصيل أو تسديد للفوائد، بمقتضى النظام رقم 18-02 المؤرخ في 4 نوفمبر 2018 الذي نشر ضمن العدد 73 من الجريدة الرسمية، وقد سعى بنك الجزائر من خلاله لطرح نصوص تنظيمية تؤطر جلّ أنشطة التمويل التشاركي، وذلك بالتشاور وإشراك كل الفعاليات في إعداد النصوص والتدرج في تطبيقها.
ويسعى هذا النظام إلى ترشيد وتثمين هذه التجربة بما يزيد من فعاليتها للوصول إلى الأهداف المسطرة وعلى رأسها إعادة استقطاب السيولة الموجودة خارج التيار الرسمي، وتفعيل الدور الأساسي لهذا الجهاز في المساهمة الرائدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر.
ومن هذا المنطلق ارتأينا أن نتطرق لهذه التجربة من أجل تقييمها وتثمين إيجابياتها وتوضيح مآخذها وكيفية معالجتها، يتمثل نظام الصيرفة التشاركية خصيصا في فتح نوافذ إسلامية داخل البنوك الكلاسيكية، وقد تمّ استحداث هذا النظام بسبب نقص السيولة في البنوك، مما جعل السلطات العمومية تهتدي إلى حل التمويل الإسلامي كحل من بين الحلول، حيث طلبت وزارة المالية من بنك الجزائر اعتماد عملية فتح نوافذ للتمويل التشاركي، وهذا لتمكين المتعاملين من إيداع أموالهم في البنوك.
إنّ ما وقع كان عكس ما تطمح إليه السلطات العمومية حيث ما تمّ تسجيله هو وجود عدد هائل من طلبات القرض للأفراد مقابل عدد ضئيل من عمليات الإيداع.
وفي هذا الصدد يجب التفريق بين النظام القديم الذي يعتمد على عملية التمويل إبتداءا من خلق السيولة أي الاكتتاب ثم السيولة، في حين يعتمد النظام الاسلامي على إيداع الأموال أي السيولة ثم القروض.
ويهدف هذ النظام إلى تحديد القواعد المطبقة على المنتجات التشاركية والتي لا يترتب عنها تحصيل أو تسديد فوائد، بالإضافة إلى تحديد شروط الترخيص المسبق من طرف بنك الجزائر للمصارف والمؤسسات المالية المعتمدة للقيام بالعمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة التشاركية.
ولهذا النظام عدة مزايا من بينها التحكم في كمية السيولة الموجودة في السوق وإمكانية البنك منح قروض وتمويل المشاريع وتحقيق فائض وأريحية مالية.
وكتقييم لهذا النظام فإنّ التمويل الإسلامي لا علاقة له بالسيولة خارج الإطار المالي فهذا يعتبر خطأ في التقدير، بل علينا تنظيم السوق باستحداث آليات الدفع الإلكتروني وإلزام المتعاملين بفتح حساب بنكي، حيث تعتبر السوق التجارية مركبة ومتشعبة ولبد من تظافر جهود كل القطاعات للقضاء على أزمة السيولة والإعتماد على عدة آليات.
وفي هذا الشأن الاعتماد على القرض السندي المعمول به عالميا مع إعادة تجديده كل سنة، حيث يعتمد القرض السندي على الأرباح فقط، علاوة على الإدماج في البورصة وهو التمويل عن طريق الصكوك مع تحمل الربح والخسارة، بالإضافة لسياسة الإدماج المالي التي تم استحداثها سنة 2016 في عهد وزير المالية الأسبق عبد الرحمان بن خالفة، حيث طالبت الحكومة التجار الذين لديهم فائض في السيولة إدخال أموالهم في الإطار المالي وتوطين هذه الأموال في البنوك مقابل رسم جزافي يقدر ب %7.
وقد ورد في المادة الأولى أنّ المصرفية التشاركية هي عملية مبهمة على عكس مصطلح المصارف الإسلامية التي تعني الرجوع للقواعد الشرعية الأصولية أو الفقهية مع ضرورة ضبط الأحكام المعمول بها فقط، في حين أن مصطلح التشاركية ففيه نظر من حيث أن المصطلح الاقتصادي الأصلي يعني المشاركة في الموارد، وليس بالضرورة المشاركة في العمل والمخاطرة، كما أن مصطلح التشاركية يعتبر مصطلح يعكس فقط الصيغ التشاركية في حين أن صيغ المديونية فيها نوع من المشاركة الضمنية من خلال المشاركة في مخاطر العملية التمويلية وليس المشاركة في الربح والخسارة بالضرورة، كما أقرت المادة بأن المصرفية التشاركية تقدم منتجات لا يترتب عنها تسديد وتحصيل الفوائد، وهذا مفهوم وطرح فيه نظر جملةً وتفصيلا، لعدة اعتبارات:
- أنها تتعامل وفق مبدأ العوائد وذلك بهوامش الربح أخذاً وعطاءاً، أو عن طريق الإيجار والعمولات فيما يسمح به السياق والصيغة.
- هناك مخاطر من إستخدام مصطلح الفوائد عوض الربح أو العوائد تتشكل في مخاطر السمعة، حيث يسود الاعتقاد عند الناس أن المصارف الإسلامية هي مؤسسات خيرية تقرض وتسترجع نفس قيمة ما أقرضته أو باقتطاع مصاريف مباشرة فعلية، وهذا حسب ظن بعض الجمهور من الزبائن، لكن الحقيقية أن المصارف الإسلامية تأخذ عائد وفق ضوابط شرعية، الأمر الذي أثار دهشة بعض الزبائن وأدى بهم إلى التشكيك في الرسالة المالية الإسلامية وأن المصارف الإسلامية مؤسسات تأخذ باسم الإسلام فقط، وهو ما ينقص من فعالية هذه السياسة المنتهجة التي من أهم أهدافها تفعيل الطاقة التمويلية المعطلة في الاقتصاد الجزائري.
- هناك مخاطر قانونية أين تفتح هذه المادة ثغرة قانونية في عدم تقنين عوائد المصارف الإسلامية، وهو الأمر الذي يعود بالسلب على التمويلات المتعثرة في هذه المصارف، أين يمكن التملص من الأرباح الشرعية والإكتفاء فقط برأس المال محل التمويل، وبذلك يتم التشجيع على الارتفاع من التمويل المتعثر خاصة أن الشروط الجزائية تعتبر فوائد تعويضية للمصارف.
- كما أن عبارة تؤدي إلى إنقاص فعالية السياسة النقدية مع عدم القدرة على تطبيق البدائل المتاحة في تجارب دولية أخرى مثل تحديد هامش الربحية؛
- إن التصريح بعدم الأخذ بالفوائد هو إقرار بعدم التعامل بربا النسيئة فقط، مع تجاهل ربا البيوع، وباقي القواعد الشرعية على رأسها النهي عن بيع ما لا تملك، والنهي عن بيع ما لا تضمن، وبهذا تفقد المصارف الاسلامية في الجزائر كفاءاتها في تحقيق الاستقرار المالي، وتحقيق النمو ذات الأبعاد المستدامة التي تتضمن البعد الاجتماعي والبعد البيئي.
- أن الفقرة الثانية من المادة صرحت بضرورة طلب ترخيص لمزاولة النشاط وهو الأمر الذي يمنح هذه الصناعة مصداقية وإستقرار من جهة، والفقرة لم تبين أشكال مزاولة للنشاط مما فتحت الباب للإبداع في المستقبل والخروج عن المألوف وهو النوافذ والفروع والإسلامية بالكامل، على أن تراعي الضوابط الشرعية والإستقرار المالي والمصرفي بالدرجة الأولى.
- كما أقر المشرع الجزائري في المادة الثانية بأن لهذه المصارف الاحتفاظ بخاصية إدارة أنظمة الدفع من جهة، بالإضافة إلى عمليات التمويل والاستثمار من جهة أخرى، متجاوزا بذلك أن المصارف الإسلامية تتميز بالصفة التجارية والتي تستدعي إلى إعادة النظر في الأمور التالية:
- قانون المصرفي وإقرار بإمكانية الملكية في إطار تجاري، مع ضرورة تحديد ما يعرف بالقبض والملكية والفرق بينهما، والتفصيل في مسألة القبض الحكمي، كما أنه يجدر الفصل في انتقال الضمان بصفتها المحور الرئيسي من القبض الحكمي، فهنا يجب أن يبين المشرع الجزائري حدود وأبعاد ومسؤولية الضمان لكل طرف متدخل سواء البائع الأصلي أو المصرف أو الزبون المستفيد من التمويل؛
- قانون تجاري وإمكانية التعامل وفقا للوثائق التجارية ومدى قوتها الثبوتية؛
- القانون الجبائي وضرورة تجنب الازدواج الضريبي الذي يعرقل الدور الاقتصادي للمصارف في ظل الارتفاع للأسعار على الزبائن نتيجة تحمل هذا الأخير للأعباء المباشرة، وشدة المنافسة في ظل حداثة الصناعة وما تتحمله من مخاطر لا تتواجد عند نظيرتها؛
- ولقد ذكر المشرع الجزائري كل منتوجات الصيرفة الإسلامية، وهذا الأمر من شأنه أن يضفي على النشاط صفة المرونة في التعامل مع احتياجات الزبائن، مع إمكانية الإبتكار والإبداع؛ حيث لم يتطرق للصيغ المشتقة من هذه الصيغ الأصلية المذكورة في المادة الثانية من النظام، وإنما ترك المجال مفتوحا بما يقتضيه ضرورة وشروط الترخيص للمنتوجات من بنك الجزائر بما يوافق المادة 3 نظام رقم 13 – 01؛
كما تطرق المشرع للودائع بحسابات استثمارية والتي ذكرها في آخر العمليات، حيث اصطلاحا اسمها ودائع أين تكون من المفروض أمانة لا تستعمل، وأن المستأمن عليها يضمنها فقط في حالة التعدي والتقصير، ولكن في الواقع تكييفها القانوني والفقهي يختلف حسب صيغة العقد، حيث نجد أن المعمول به على وجه العموم في الودائع بحسابات استثمارية هو عقود المضاربة، وهو ما يوافق نص المادة رقم تسعة من هذا النظام، أين تكون المؤسسة أو المصرف صاحب العمل، والمودع صاحب المال، وهو الأمر الذي يسمح باستعمال المال وفق شروط يتفق عليها الطرفين عند إبرام العقد، وهنا نشير بأن الودائع فقهيا تكيف بأنها قرض وهو ما يوافق التكييف القانوني، من خلال ما جاء في مواد هذا النظام الحالي؛
كما أن النظام يجب أن يفصل في شروط الالتزامات لفتح التمويل والتي تختلف عن شروط الإلتزامات في التمويل التقليدي، بما فيه أسلوب تحديد العمولات؛
وفي نفس السياق، فإنّه كان من الممكن تسمية منتجات تمويل التشاركية بمنتجات التمويل الإسلامية المتوافقة مع المبادئ الصادرة الهيئة الوطنية للرقابة الشرعية، والمنصوص عليها في المادة الرابعة من نفس النظام.
وهنا قد يجد المستخدم للمادة لبسا من حيث أن نفس المادة الثانية حصرت المنتجات التمويلية التشاركية في المرابحة والمشاركة والمضاربة والسلم والاستصناع والإجارة، في حين أن مُصطلح المشاركة ينطبق فقط على منتجي المضاربة والمشاركة، حيث أنّ منتوجات التمويل الأخرى فهي من صيّغ البيوع، وهو ما يستدعي إما توضيح مفهوم المشاركة حسب منظور المشرع الجزائري حتى لا يساء إستخدام المصطلح، أو إرجاعها إلى أصلها بكونها منتجات تمويلية إسلامية.
وفيما يخص إسم الهيئة المكلفة بإعطاء التراخيص فإنّ النظام ذكر اسمها دون ذكر تفاصيل، فإنّ الجزائر تعتبر متفردة بهذه التجربة حيث أنها شكلت الهيئة الوطنية للرقابة الشرعية تابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، مع استقلالية في اتخاذ القرارات، على عكس تجارب في دول العالم التي ألحقتها بالبنك المركزي مما قد تنقص من استقلاليتها وتخفض من مستوى الثقة في مصداقية قراراتها، وهناك دول أخرى ألحقتها بوزارة الشؤون الدينية والتي ستزيد من الحساسية الدينية لهذه الصناعة، وهو ما يؤثر سلبا على الاستقرار المالي لهذا السوق، وعلى هذا الأساس يتم السعي في الجزائر لإنشاء الهيئة التحكيمية وفقا لمقترحات أيوفي التي تنص على وجود ثلاث أنظمة ( داخلية وخارجية ومركزية)، إلا أنّ عدم صدور تشريع ينظم هذه الهيئة قد يبقي الغموض عليها ومدى فعاليتها، ومن هنا يبقى الجميع ينتظر الإجابة عن ماهية هذه الهيئة، وما طبيعة صلاحياتها وواجباتها وآليات عملها، وممن تتكون وما مدى كفاءة ونزاهة أعضائها وكيف يتم تعيينهم.
إنّ التنظيم لم يتطرق لتنظيم الرقابة الخارجية والداخلية، فإذا قلنا أن الرقابة الداخلية يمكن إدراجها في ظل النظام 11 – 08 المتعلق بنظام الرقابة الداخلية للمصارف والمؤسسات المالية، والقوانين التأسيسية لهذه الأخيرة خاصة الإسلامية منها، لكن الرقابة الخارجية لم يتناولها هذا النظام خاصة أنها تعتبر أداة أساسية لترسيخ القواعد الشرعية أثناء تأدية النشاطات المصرفية، وهي على غرار التجارب الدولية في الدول الخليجية والمملكة المتحدة لبريطانيا.
وفي المادة الخامسة والسادسة نصت المواد على وجوب إدارة هذه المنتجات وفق تنظيم ومستخدمين مُخصصين لذلك مع ضرورة الفصل بين النظامين، وذكره لضرورة الفصل المالي والفصل الإداري بين النظام التقليدي والنظام الإسلامي بالنسبة للمصارف والمؤسسات المالية العازمة على طلب اعتماد النوافذ الإسلامية، ويطبق الفصل عن طريق الفصل الالكتروني والفصل المحاسبي، وهنا نتساءل عن أي مخطط ونظام محاسبي نطبق؟ فالمخطط المحاسبي الحالي يعامل المصارف الإسلامي كوسيط مالي وهو بذلك يضعف من دورها الفاعل والأساسي في كونها وسيط تجاري، ناهيك عن حق المساهمين والمتعاملين في ضرورة تذكر التفاصيل في أسلوب الإفصاح المالي وكيفية تطبيق مبدأ الشفافية في القوائم المالية الصادرة عن النوافذ الإسلامية، الأمر الذي قد يضعف من مستوى الحوكمة المصرفية لهذه المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية.
لكن هذا النظام لم يعط الحرية للبنك لتبني أي منتوج وفق خطته الإستراتيجية، كما أنّه لم يتناول كل صيغ التمويل الإسلامي، حيث ربطت البنوك الراغبة في التمويل الإسلامي بقرار الموافقة من بنك الجزائر، واشتراط الموافقة من بنك الجزائر ترتب عنه تعطيل المصرفية الإسلامية، إن العملية تأخرت كثيرا وعليه يجب تعديل هذا النظام بإضافة الصيغ غير المدرجة، مع إعطاء نفس الإمتيازات الممنوحة في التمويل الكلاسيكي الربوي من الإعفاءات الجبائية والمعدلات المدعمة.
نسيمة شرلاح
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.